فصل: الطلاق البدعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.التنجيز والتعليق صيغة الطلاق:

إما أن تكون منجزة، وإما أن تكون معلقة، وإما أن تكون مضافة إلى مستقبل.
فالمنجزة: هي الصيغة التي ليست معلقة على شرط، ولا مضافة إلى زمن مستقبل، بل قصد بها من أصدرها وقوع الطلاق في الحال، كأن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق.
وحكم هذا الطلاق، أنه يقع في الحال متى صدر من أهله، وصادف محلا له.
وأما المعلق: وهو ما جعل الزوج فيه حصول الطلاق معلقا على شرط، مثل أن يقول الزوج لزوجته: إن ذهبت إلى مكان كذا، فأنت طالق.
ويشترط في صحة التعليق، ووقوع الطالق به ثلاثة شروط: الأول أن يكون على أمر معدوم، ويمكن أن يوجد بعد، فإن كان على أمر موجود فعلا، حين صدور الصيغة مثل أن يقول: إن طلع النهار فأنت طالق، والواقع أن النهار قد طلع فعلا - كان ذلك تنجيزا وإن جاء في صورة التعليق.
فإن كان تعليقا على أمر مستحيل كان لغوا، مثل إن دخل الجمل في سم الخياط فأنت طالق.
الثاني أن تكون المرأة حين صدور العقد محلا للطلاق بأن تكون في عصمته.
الثالث أن تكون كذلك حين حصول المعلق عليه.
والتعليق قسمان:
القسم الأول يقصد به ما يقصد من القسم للحمل على الفعل أو الترك أو تأكيد الخبر، ويسمى التعليق القسمي، مثل أن يقول لزوجته: إن خرجت فأنت طالق، مريدا بذلك منعها من الخروج إذا خرجت، لا إيقاع الطلاق.
القسم الثاني ويكون القصد منه إيقاع الطلاق عند حصول الشرط.
ويسمى التعليق الشرطي، مثل أن يقول لزوجته: إن أبرأتني من مؤخر صداقك فأنت طالق.
وهذا التعليق بنوعيه واقع عند جمهور العلماء.
ويرى ابن حزم أنه غير واقع.
وفصل ابن تيمية وابن القيم، فقالا: إن الطلاق المعلق الذي فيه معنى اليمين غير واقع.
وتجب فيه كفارة اليمين إذا حصل المحلوف عليه.
وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام.
وقالا في الطلاق الشرطي: إنه واقع عند حصول المعلق عليه.
قال ابن تيمية: والالفاظ التي يتكلم بها الناس في الطلاق ثلاثة أنواع:
الأول صيغة التنجيز والارسال، كقوله: أنت طالق فهذا يقع به الطلاق، وليس بحلف، ولا كفارة فيه اتفاقا.
الثاني صيغة تعليق، كقوله: الطلاق يلزمني لافعلن هذا، فهذا يمين باتفاق أهل اللغة، واتفاق طوائف العلماء، واتفاق العامة.
الثالث صيغة تعليق كقوله: إن فعلت كذا فامرأتي طالق، فهذا إن قصد به اليمين، وهو يكره وقوع الطلاق كما يكره الانتقال عن دينه فهو يمين، حكمه حكم الأول، الذي هو صيغة القسم باتفاق الفقهاء.
وإن كان يريد وقوع الجزاء عند الشرط لم يكن حالفا، كقوله: إن أعطيتني ألفا فأنت طالق، وإذا زنيت فأنت طالق، وقصد إيقاع الطلاق عند وقوع الفاحشة، لا مجرد الحلف عليها، فهذا ليس بيمين، ولا كفارة في هذا عند أحد من الفقهاء فيما علمناه، بل يقع به الطلاق.
إذا وجد الشرط.
وأما ما يقصد به الحض، أو المنع، أو التصديق، أو التكذيب، بالتزامه عند المخالفة ما يكره وقوعه، سواء كان بصيغة القسم، أو الجزاء، فهو يمين عند جميع الخق من العرب وغيرهم.
وإن كان يمينا فليس لليمين إلا حكمان: إما أن تكون منعقدة فتكفر، وإما أن لا تكون منعقدة، كالحلف بالمخلوقات فلا تكفر، وأما أن تكون يمينا منعقدة محترمة غير مكفرة، فهذا حكم ليس في كتاب الله، ولا سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولا يقوم عليه دليل.
ما عليه العمل الان: وما جرى عليه العمل الان في الطلاق المعلق هو ما تضمنته المادة الثانية من القانون رقم 25 لسنة 1929 ونصها: لا يقع الطلاق غير المنجز إذا قصد به الحمل على فعل شيء أو تركه لا غير.
وجاء في المذكرة الايضاحية لهذا المادة: إن المشرع أخذ في إلغاء اليمين بالطلاق برأي بعض علماء الحنفية والمالكية والشافعية، وإنه أخذ في إلغاء المعلق الذي في معنى اليمين برأي علي بن أبي طالب، كرم الله وجهه، وشريح القاضي، وداود الظاهري وأصحابه.
وأما الصيغة المضافة إلى مستقبل: فهي ما اقترنت بزمن، بقصد وقوع الطلاق فيه، متى جاء، مثل أن يقول الزوج لزوجته: أنت طالق غدا، أو إلى رأس السنة، فإن الطلاق يقع في الغد أو عند رأس السنة إذا كانت المرأة في مكله عند حلول الوقت الذي أضاف الطلاق إليه.
وإذا قال لزوجته: أنت طالق إلى سنة قال أبو حنيفة ومالك: تطلق في الحال.
وقال الشافعي، وأحمد: لا يقع الطلاق حتى تنسلخ السنة.
وقال ابن حزم: من قال: إذا جاء رأس الشهر فأنت طالق.
أو ذكر وقتا فلا تكون طالقا بذلك. لا الان.
ولا إذا جاء رأس الشهر.
برهان ذلك: أنه لم يأت قرآن ولا سنة بوقوع الطارى بذلك، وقد علمنا الله الطلاق على المدخول بها، وفي غير المدخول بها، وليس هذا فيما علمنا.
{ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه}.
وأيضا، فإن كان كل طلاق لا يقع حين إيقاعه، فمن المحال أن يقع بعد ذلك في حين لم يوقعه فيه.

.الطلاق السني والبدعي:

ينقسم الطلاق إلى طلاق سني، وطلاق بدعي.

.طلاق السنة:

فطلاق السنة: هو الواقع على الوجه الذي ندب إليه الشرع، وهو أن يطلق الزوج المدخول بها طلقة واحدة، في طهر لم يمسسها فيه، لقول الله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان} أي أن الطلاق المشروع يكون مرة يعقبها رجعة، ثم مرة ثانية يعقبها رجعة كذلك، ثم إن المطلق بعد ذلك له الخيار، بين أن يمسكها بمعروف، أو يفارقها بإحسان.
ويقول الله تعالى: {يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن}.
أي إذا أردتم تطليق النساء، فطلقوهن مستقبلات العدة، وإنما تستقبل المطلقة العدة إذا طلقها بعد أن تطهر من حيض، أو نفاس، وقبل أن يمسها.
وحكمة ذلك أن المرأة إذا طلقت وهي حائض لم تكن في هذا الوقت مستقبلة العدة، فتطول عليها العدة.
لان بقية الحيض لا يحسب منها وفيه إضرار بها.
وإن طلقت في طهر مسها فيه، فإنها لا تعرف هل حملت أو لم تحمل، فلا تدري بم تعتد، أتعتد بالاقراء أم بوضع الحمل؟ وعن نافع بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أنه طلق امرأته وهي حائض، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عمر بن الخطاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
«مره فليراجعها، ثم ليمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، ثم إن شاء أمسك بعد ذلك، وإن شاء طلق قبل أن يمس، فتلك العدة التي أمر الله سبحانه أن تطلق لها النساء».
وفي رواية: أن ابن عمر رضي الله عنه، طلق امرأة له، وهي حائض، تطليقة، فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: «مره فليراجعها، ثم ليطلقها إذا طهرت، أو وهي حامل».
أخرجه النسائي ومسلم وابن ماجه وأبو داود.
وظاهر هذه الرواية أن الطلاق في الطهر الذي يعقب الحيضة التي وقع فيها الطلاق يكون طلاق سنة، لا بدعة.
وهذا مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد، وأحد الوجهين عن الشافعي، واستدلوا بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لاجل الحيض، فإذا طهرت زال موجب التحريم.
فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الاطهار.
ولكن الرواية الأولى التي فيها «ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر» متضمنة لزيادة يجب العمل بها قال صاحب الروضة الندية: وهي أيضا في الصحيحين.
فكانت أرجح من وجهين.
وهذا مذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه.
والشافعي في الوجه الاخر، وأبي يوسف ومحمد.

.الطلاق البدعي:

أما الطلاق البدعي، فهو الطلاق المخالف للمشروع: كأن يطلقها ثلاثا بكلمة واحدة، أو يطلقها ثلاثا متفرقات في مجلس واحد، كأن يقول: أنت طالق، أنت طالق، أنت طالق.
أو يطلقها في حيض أو نفاس، أو في طهر جامعها فيه.
وأجمع العلماء على أن الطلاق البدعي حرام، وأن فاعله آثم.
وذهب جمهور العلماء إلى أنه يقع، واستدلوا بالادلة الاتية:
1- أن الطلاق البدعي، مندرج تحت الايات العامة.
2- تصريح ابن عمر رضي الله عنه، لما طلق امرأته وهي حائض، وأمر الرسول الله صلى الله عليه وسلم بمراجعتها، بأنها حسبت تلك الطلقة.
وذهب بعض العلماء إلى أن الطلق البدعي لا يقع.
ومنعوا اندراجه تحت العمومات، لأنه ليس من الطلاق الذي أذن الله به، بل هو من الطلاق الذي أمر الله بخلافه.
فقال: {فطلقوهن لعدتهن}.
وقال صلى الله عليه وسلم لابن عمر رضي الله عنه: «مره فليراجعها» وصح أنه غضب عندما بلغه ذلك، وهو لا يغضب مما أحله الله.
وأما قول ابن عمر: إنها حسبت، فلم يبين من الحاسب لها، بل أخرج عند أحمد وأبو داود والنسائي: أنه طلق امرأته وهي حائض.
فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يرها شيئا.
وإسناد هذه الرواية صحيح، ولم يأت من تكلم عليها بطائل.
وهي مصرحة بأن الذي لم يرها شيئا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فلا يعارضها قول ابن عمر رضي الله عنه.
لان الحجة في روايته لا في رأيه.
وأما الرواية بلفظ «مره فليراجعها» ويعتد بتطليقة.
فهذه لو صحت لكانت حجة ظاهرة ولكنها لم تصح كما جزم به ابن القيم في الهدي.
وقد روى في ذلك روايات في أسانيدها مجاهيل وكذابون، لا تثبت الحجة بشئ منها.
والحاصل: أن الاتفاق كائن على أن الطلاق المخالف لطلاق السنة يقال له: طلاق بدعة.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم: «أن كل بدعة ضلالة».

ولا خلاف أيضا، أن هذا الطلاق مخالف لما شرعه الله في كتابه، وبيسه رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عمر - وما خالف ما شرعه الله ورسوله، فهو رد، لحديث عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد» هو حديث متفق عليه.
فمن زعم أن هذه البدعة، يلزم حكمها، وأن هذا الأمر الذي ليس من أمره صلى الله عليه وسلم، يقع من فاعله ومقيد به، لا يقبل منه ذلك إلا بدليل.
من ذهب إلى أن طلاق البدعة لا يقع: وذهب إلى هذا:
1- عبد الله بن معمر.
2- سعيد بن المسيب.
3- طاووس: من أصحاب ابن عباس.
وبه قال خلاس بن عمرو، وأبو قلابة من التابعين.
وهو اختيار الإمام ابن عقيل من أئمة الحنابلة وأئمة آل البيت.
والظاهرية وأحد الوجهين في مذهب الإمام أحمد، واختاره ابن تيمية.